المتتبع للشأن الاقتصادي العام في الجزائر يلاحظ أن السلطات العليا تسعى بجدية لمواكبة الثورة الرقمية من خلال جهودها المستمرة لبلوغ التحول الرقمي. والوفاء بالاتتزام رقم 25 للسيد رئيس الجمهورية القاضي بتحقيق تحول رقمي ناجح .
لذا فإن هذه الجهود تهدف الى تحيق التزام المسؤول الأول في البلاد ومن خلاله تلبية حاجات المواطنين وتخفيف معاناتهم وذلك بتحسين جودة الخدمات المقدمة. بغية ترقية الاقتصاد المحلي الذي يواجه ضغوطًا كبيرة في مجال التحول الرقمي.
حيث ان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أشار في احدى لقاءاته الصحفية إلى وجود مقاومة غير محددة الهوية تسعى لعرقلة جهود التحول الرقمي في القطاعات المختلفة، وأكد أن الرقمنة أصبحت ضرورة ملحة لتحقيق التقدم في التنمية وبناء استراتيجية تعتمد على بيانات دقيقة وليست تقديرية.
التحول الرقمي مشروع مجتمع
يعتبر التحول الرقمي مشروعًا مجتمعيًا يتطلب تضافر الجهود، وصدق النوايا حيث يشدد الخبراء على ضرورة تعيين هيئة مختصة في الرقمنة تتولى متابعة البرنامج في جميع القطاعات. وتقترح هذه الهيئة وضع استراتيجية وطنية لتوجيه المشروع وتنفيذه في جميع المستويات.
ويرى بعض الخبراء الجزائريين ان الأسباب التي تعيق التحول الرقمي تتمثل أساسا في نقص الإرادة الكبيرة في تبني الاستراتيجية الواضحة وزرع الثقافة التنظيمية على نطاق واسع وشامل وتجنيد الموارد البشرية المؤهلة لتحقيق المشروع . و أن تحقيق التحول الرقمي يتطلب أيضا وقتًا طويلاً وإعدادًا جيدًا لتوزيع المهام والأدوار وتشجيع المواطنين على استخدام المنصات الرقمية، مثل منصات الدفع الإلكتروني واستخراج الوثائق الرسمية.
ونلاحظ أن هده الإرادة تم التأكيد عليها وبقوة في النداء الأخير الذي أطلقه السيد وزير الرقمنة والإحصائيات بمناسبة انعقاد المؤتمر الوطني المنظم من طرف الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل المواطنين يوم 09 ماي 2023 تحت شعار “الرقمنة، مفتاح تنمية الاقتصاد الوطني ” داعيا جميع المنظمات النقابية المهنية للعمال ومنظمات المجتمع المدني إلى إدراك “حجمِ مسؤولياتهم ودورهم في كسب رهان تحديات التنمية المستدامة وخوض غمار الرقمنة واقتصاد المعرفة وهي أهم مرتكزات نجاح الأمم وازدهارها”.
أسباب تعطل مشروع التحول الرقمي
يجمع الخبراء بان مشروع التحول الرقمي في الجزائر يواجه مقاومة شرسة وقوية , اذ تسعى أطراف لعرقلة التقدم في تحقيق المشروع . وتوجه أصابع الاتهام في هذا إلى أصحاب المصالح الغير مشروعة الذين يعملون على تعطيل المشروع بشتى الوسائل والطرق وهذا لحماية مصالحهم.
كما يرى بعض الخبراء بان نقص الموارد المادية الأساسية لبناء قاعدة صلبة يقوم عليها المشروع وغياب منشآت قاعدية خاصة ويقصد بها داتاسنتر، Data center ساهم بكثير في عرقلة الإنجاز
ضف الى ذلك النقص الفادح للطاقات والبشرية المؤهلة في مجال الرقمنة وإنتاج البرمجيات وفق المعاير الحديثة حال دون تحقيق التحول الرقمي المنشود
تعريف داتاسنتر. Data center
مركز البيانات (Data Center) هو مجمع فيزيائي يتكون من مجموعة من الأجهزة والمعدات التي تستخدم لتخزين ومعالجة ونقل البيانات والمعلومات بشكل آمن وفعال. يتم استخدام مراكز البيانات هذه من قبل المؤسسات والشركات الكبيرة ومقدمي خدمات الإنترنت وغيرها من المؤسسات التقنية لتشغيل الخوادم والأنظمة وتخزين البيانات وتقديم خدمات مثل الحوسبة السحابية والتطبيقات عبر الإنترنت والشبكات الاجتماعية.
فتوفّر مثل هذه المراكز يعد خياراً استراتيجياً لا غنى عنه, يساهم لا محالة في تسريع عملية الرقمنة التي تعتبر السبيل الوحيد لتوفير المناخ الحقيقي والمحفز الاساسي للنهوض بالاقتصاد الوطني و دافعاً قويا وجذابا للمستثمرين ورجال الأعمال الحقيقين .
هذه المراكز ستمنح الفرصة للجزائر التحرر من التبعية للدول الأجنبية في استضافة قواعد بياناتها ومعلوماتها الرقمية وتصبح معالجتها وتخزينها في منشآت وطنية وتحت اشراف فنين جزائريين ، مما يعزز الاستقلالية المستدامة والتنافسية الاقتصادية الجادة والفعالة وجذب المزيد من الاستثمارات الوطنية والأجنبية.
ستعزّز هذه المراكز القدرة التحليلية للمعطيات وتعزيز كذلك البحث العلمي والابتكار في مختلف القطاعات الاقتصادية، وبالتالي تعزيز التنمية المستدامة وتعميق اقتصاد المعرفة.
مايجب فعله عاجلا ؟
من المهم اذا تبني استراتيجية واضحة المعالم في مجال التحول الرقمي وتعزيز الثقافة التنظيمية للتكنولوجيا الرقمية. كما يجب على الحكومة ان تتعاون مع القطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية لتوفير التدريب والتعليم المهني المناسب للكوادر البشرية. وينبغي أيضًا تعزيز الوعي وتشجيع المواطنين على استخدام التكنولوجيا الرقمية والمنصات الإلكترونية لتسهيل حياتهم اليومية.
بعبارة اخرى يجب على الحكومة الجزائرية تبني سياسات تشجع على الاستثمار في البنية التحتية الرقمية وتعزيز التعاون مع الشركات التكنولوجية العالمية لنقل المعرفة وتبادل الخبرات. فالشركات العامة والخاصة يمكن ان تكون عاملًا مهمًا في هذا الحلقة وتساهم بذلك في تسريع التحول الرقمي وتعزيز التنافسية الاقتصادية للجزائر.
علاوة على ذلك، ينبغي أن تركز أجهزة الدولة جهوها على الإسراع في توفير الغطاء التشريعي والقانوني للمعاملات التجارية وتقنين التوقيع الالكتروني والمصادقة الالكترونية كوسيلتي حماية للمعاملات الالكترونية
وكذلك الإسراع في ربط شبكات الاتصالات السريعة والأمن السيبراني، لتمكين الشركات والمؤسسات من تنفيذ التحول الرقمي بفاعلية وأمان. كما ينبغي ايضا أن تكون هناك سياسات لتشجيع ريادة الأعمال وتطوير الابتكار التقني لدعم قطاع الشركات الناشئة والابتكار في الجزائر.
الخاتمة
باختصار، يمثل التحول الرقمي فرصة كبيرة للجزائر لتعزيز التنمية الاقتصادية وتحسين جودة الحياة في البلاد. اذ يساهم هذا التحول في تعزيز الشفافية والكفاءة في تقديم الخدمات الحكومية وتحسين الاتصال بين الحكومة والمواطنين.
وهذ ما سينعكس إيجابا على قطاعات الصحة والتعليم. ويمكنها من تحسين جودتها لتصل الى المستوى الذي يطالب به المواطن . وبهذا يمكن استخدام التطبيقات الصحية والمنصات التعليمية عبر الإنترنت لتمكين المواطنين من الوصول إلى المعلومات الصحية والتعليمية والاستفادة منها في أي وقت ومن أي مكان.
علاوة على ذلك، يمكن أن يساعد التحول الرقمي في تعزيز قطاع التجارة الإلكترونية وتوسيع فرص العمل وتحفيز الابتكار في الجزائر. ويمكن للشركات والأفراد أن يستفيدوا من إنشاء متاجر إلكترونية وتوفير منتجات وخدمات عبر الإنترنت، مما يتيح لهم الوصول إلى أسواق أوسع وزيادة الإيرادات. وعليه فانه لزاما على الحكومة توفير بيئة تشريعية مناسبة لتشجيع الاستثمار في قطاع التجارة الإلكترونية وتعزيز حماية المستهلكين في المجال الرقمي.